Back

Prises de position - Prese di posizione - Toma de posición - Statements - Prohlášení - Заявления


 

مظاهرات جيل زد: ليس "الشباب" من سيُسقِط الرأسمالية، بل البروليتاريا الموحَّدة خلف حزبها الطبقي

 

 

منذ خريف 2025، يواصل التناول الإعلامي الشائع لفكرة «ثورة جيل زد» اكتسابَ الزخم، تغذّيه تعدّدُ الانتفاضات التي، من نيبال إلى المغرب، ومن مدغشقر إلى إندونيسيا، ومن بيرو إلى كينيا، تُزلزل ركائزَ مجتمعاتٍ برجوازية «طرفية» مترهّلة، حديثة نسبيًّا في مسارها التاريخي، ولذلك فإن وسائل الضبط الديمقراطي فيها لا ترقى كثيرًا إلى القوة التمويهية التي تمتلكها نظيراتها الأقدم. وقد بلغ الأمر حدًّا أن هذه الانتفاضات نجحت في نيبال ومدغشقر، كما في بنغلادش صيف 2024، في إسقاط الحكومات القائمة، دون أن يحدث ذلك إلا مع الاستفادة من دعم الجيش الذي يظلّ اللاعب الحقيقي والحَكَم الفعلي. إن تكاثر الانتفاضات وحدّة وسائل الفعل--مع صدامات تميل إلى الطابع الانتفاضي ضد قوات الشرطة وإحراق مبانٍ ترمز إلى سلطة مكروهة--دفعت بعض الجماعات المسمّاة «يسارًا متطرفًا» (1)، التي لا تتأخر أبدًا حين يتعلق الأمر بالانتهازية البرجوازية، إلى الادعاء بأن هذه الانتفاضات ليست سوى التجسيد الأحدث للثورة الاشتراكية العالمية. وحتى عندما يزعمون أنهم يتمنونها، فإنهم في الواقع يفعلون كل ما بوسعهم لتكثير العوائق على الطريق الطويل الذي سيسمح للبروليتاريا، بقيادة حزبها الطبقي، أن تستأنف نضالها التاريخي الذي نهايته الحاسمة هي الاستيلاء العنيف على السلطة السياسية وتدمير الدولة والمجتمع البرجوازيين عبر إجراءاتٍ استبدادية.

ومهما كانت آفاقُ الانتصار الفوري لهذه الحركات الاحتجاجية وهميةً، فهي لا يمكن--في أفضل الأحوال--أن تُفضي إلا إلى تغيير الحاكم، إلا أن «فيروسيتها»--للاستعارة من مصطلحٍ رائج لدى «خبراء» الرقمي--وسهولة انتقال أساليب الفعل والشعارات والرموز إلى أقاصي المعمورة، تفرض على الماركسيين ألا يقفوا منها موقف اللامبالاة، بل أن يُخضِعوها لمِصفاة سلاح النقد.

  

سريلانكا، بنغلادش، إندونيسيا، نيبال، بيرو، المغرب، مدغشقر: حصيلةٌ أولية لما يُسمّى «انتفاضات الشباب»

 

بحسب صحيفة Le Monde، فإن تسلسل ما يُسمّى «انتفاضات جيل زد» قد بدأ منذ 2022 قبل أن يعرف تسارعًا ملحوظًا في خريف 2025 (2). وقد تحققت أول «انتصاراته» في سريلانكا، حيث، أمام سوء الإدارة الاقتصادية وفساد حكومة راجاباكسا، وأمام الأزمة الاقتصادية والتضخم، وانقطاعات الكهرباء اليومية ونقص السلع الأساسية، تمكّن عشرات الآلاف من المتظاهرين، بعد أشهر عدة من الاحتجاجات، من إرغام الرئيس راجاباكسا على الفرار إلى المنفى، بعد اقتحام القصر الرئاسي. هذه المظاهرات العابرة للطبقات، التي يحتل فيها الشباب وزنًا كبيرًا، والتي كانت مطالبها في البداية عامة وتمسّ شروط العيش والعمل ثم تنتهي إلى التمركز حول شعارات ديمقراطية، دشّنت نمطًا كلاسيكيًا سيُعاد لاحقًا بصورة شبه متطابقة في بلدان كثيرة.

وهكذا، في صيف 2024 ببنغلادش، انخرط عشرات الآلاف من الطلبة في سلسلة مظاهرات ضخمة إثر قرار رئيسة الوزراء شيخة حسينة رفعَ حصص التوظيف في الوظيفة العمومية لأعضاءٍ من عائلات شاركت في نضال الاستقلال الذي قادته رابطة عوامي (3)، ولأقليات دينية أو إثنية، ولمناطق ممثّلة تمثيلًا ناقصًا، أو لفئات من ذوي الإعاقة. وقد ندد الطلبة بهذا الإجراء باعتباره مثالًا على المحسوبية والفساد اللذين يطبَـعان السلطة البنغلادشية؛ وزاد من الاعتراض عليه أنه يشكّل عائقًا أمام الولوج إلى الوظيفة العمومية، وهي المنفذ المهني الوحيد المتاح لأبناء الطبقات الوسطى في بلد فقير، كما في كثير من البلدان الفقيرة حيث تعجز الدول تقليديًا عن توفير وظائف للشباب المتخرجين تتناسب مع مستويات تأهيلهم. وكما في سريلانكا، تحولت التعبئات إلى أعمال شغب واضطرت الجيشَ إلى التدخل لتفادي تفاقم الاضطراب والفوضى، وهو هاجسٌ تقليدي لكل نظام برجوازي تستند استقراره أكثر إلى عصا القمع منه إلى جزرة الديمقراطية. وعندها ضحّى العسكريون بلا تردد برئيسة الوزراء حسينة، بوصفها تجسيدًا لتلك الطبقة السياسية التي يحتقرها الشباب، واستدعوا من تقاعده أيقونة البرجوازية الصغيرة الدولية، الاقتصادي والحائز السابق على نوبل للسلام محمد يونس، لإرضاء المحتجين.

ومنذ أواخر صيف 2025، نشهد تسارعًا لهذه الدينامية على الصعيد العالمي. ففي إندونيسيا، شكّلت زيادة الضرائب العقارية والأراضي، بالتوازي مع رفع مساعدات السكن للنواب، شرارةَ سلسلة مظاهرات وصلت إلى حشد 100 ألف متظاهر. وقد أدّى القمع العنيف للمظاهرات، الذي أودى بحياة نحو عشرة أشخاص بينهم سائق دراجة أجرة نارية، إلى راديكالية الحركة، إلى حدّ إحراق عدة منازل لنوابٍ وكذلك برلمانٍ إقليمي، ما أجبر الحكومة على التراجع عن زيادة الضرائب.

وبعد أسابيع قليلة، واجهت نيبال حركة مشابهة إثر قرار الحكومة «الشيوعية» حظرَ شبكات التواصل الاجتماعي، في حين يبلغ عدد العمال النيباليين المهاجرين قرابة مليوني مهاجر (ضمن سكان يبلغون 30 مليونًا)، وهو ما قطع صلات المعيلين بأقاربهم في الداخل. وكما في الحالات السابقة، ساهم تشديد القمع في تصلّب المظاهرات، التي تحولت إلى أعمال شغب وصلت إلى إحراق مقر البرلمان. ومرة أخرى، تقدّم الجيشُ ليتحكم في المشهد، مُخرِجًا «تغيير الحكومة» على المسرح، ومُسندًا السلطة التنفيذية إلى رئيسة سابقة للمحكمة العليا، سوشيلا كاركي.

ومنذ أواخر سبتمبر، تحرك ما يُسمّى «جيل زد» في مدغشقر حول مطالب اجتماعية-اقتصادية وسياسية في آن: ضد انقطاعات الماء والكهرباء؛ لوضع حد لتدهور الخدمات العمومية بسبب نقص الاستثمار؛ لإنهاء الفساد وإساءة استعمال السلطة؛ إلخ. وقد كان قرار حكومة راجويلينا--المعهود منها--باللجوء إلى القوة لقمع الحركة، بثمنٍ قارب عشرين قتيلًا ومئات الجرحى، قليلَ الفاعلية كما في الأمثلة السابقة. ومع إدراكه ضرورة الاتكاء على الجيش، القوة الوحيدة المستقرة في البلاد، وهو ما يفسّر تعيينه عسكريًا، روفين زافيسامبو، رئيسًا جديدًا للوزراء، اضطر راجويلينا إلى الفرار، مستفيدًا في هذه الظروف من مساعدة الإمبريالية الفرنسية. ذلك أنه واجه قرارَ جزء من الجيش دعمَ المتظاهرين وتمردَ عسكريي CAPSAT، حيث أعلن قائدهم ميشيل راندريانيرينا نفسه رئيسًا انتقاليًا قبل أن يُنصَّب رسميًا من المحكمة الدستورية. ومرة أخرى، يبرهن المثال الملغاشي أن مفاتيح الوضع تبقى في يد الجيش، أي في يد النظام البرجوازي (4).

وفي الوقت الراهن تستمر هذه الحركات في المغرب، حيث يحتج المتظاهرون--وأغلبهم من الشباب وغالبًا منحدرون من البروليتاريا--على أوضاع اقتصادية واجتماعية كارثية، ويواجهون قمعًا واسعًا من الحكومة والسلطة الملكية التي تلجأ إلى سجنٍ تعسفي للمتظاهرين (5). وينطبق الأمر كذلك على بيرو، حيث يتعبأ الشباب ضد الفساد المستشري في الطبقة السياسية وضد تصاعد انعدام الأمن، خاصةً في الأحياء الشعبية في ليما. واستباقًا للأحداث، فضّلت البرجوازية البيروفية التضحية بدمية المرحلة بعزل الرئيسة شديدة اللاشعبية دينا بولوارت، المنتخبة على قائمة «يسار متطرف» مع الرئيس السابق بيدرو كاستيو ثم خانته، وذلك لتهدئة المتظاهرين دون الاستجابة للمطالب الرئيسية.

وانطلاقًا من هذه الوقائع المختصرة--التي كان يمكن أن تذكر أيضًا حركات مماثلة في كينيا (مايو--يونيو 2024) ضد مشروع قانون المالية، وفي الإكوادور (سبتمبر--أكتوبر 2025) بعد رفع الدعم عن المحروقات، أو في الفلبين (سبتمبر الماضي) ضد الفساد ولا سيما حول مشاريع مكافحة الفيضانات--يمكن إبراز عدد من السمات المشتركة التي تمكّن الثوريين من الاهتداء في أوضاع تبدو متنوعة وفريدة ظاهريًا، وتجنّب منزلق «الفورية» الذي يطبع «تحليلات» شبه اليسار المتطرف.

 

تحليل ماركسي وطبقي لـ«الشباب»

 

حيث ترى وسائل الإعلام والفكر البرجوازي أفرادًا أو كتلًا غير متمايزة--مثل تلك «الجيل زد» التي يفترض أنها تشير إلى المولودين بين 1997 و2012 والذين ألفوا منذ الولادة استعمال تقنيات الإعلام والاتصال الجديدة--يرى الماركسيون على العكس قوى اجتماعية ذات مصالح متعارضة نسميها: الطبقات. فـ«الشباب» ليس طبقة اجتماعية؛ إنه منقسم بحدود طبقية كما «البالغون» كذلك. صحيح أنه يتميز عن بقية السكان بميلٍ أكبر إلى التعبئة وبمظهرٍ من الراديكالية الأشد. وهذا ما يفسّر أن منظمات الشباب في الأحزاب الاشتراكية أو الشيوعية قد ضمّت تاريخيًا عناصر متقدمة جدًا، مثل كارل ليبكنخت في ألمانيا، وأماديو بورديغا في إيطاليا، وكثير من أطر الأممية الثالثة لاحقًا. ويصدق هذا أكثر على الطلبة الذين غالبًا ما يكونون أول من يدخل النضال في لحظات الأزمة وعدم الاستقرار، حتى إنهم يتوهمون أنهم طليعة حقيقية. وهذا ما كان ليون تروتسكي قد أبرزَه عند سقوط الملكية الإسبانية التي كانت على وشك ولادة الجمهورية الثانية: «حين ترفض البرجوازية بوعي وإصرار حلّ المشكلات الناجمة عن أزمة المجتمع البرجوازي، وحين لا يكون البروليتاريا مستعدًا بعد لتولي هذه المهمة، كثيرًا ما يتقدم الطلبة إلى مقدمة المسرح. خلال الثورة الروسية الأولى لاحظنا هذه الظاهرة مرارًا. وكانت دائمًا ذات دلالة كبيرة بالنسبة إلينا: فهذه النشاطية الثورية أو شبه الثورية تعني أن المجتمع البرجوازي يمر بأزمة عميقة. إن الشباب البرجوازي الصغير، إذ يشعر بتراكم قوة انفجارية داخل الجماهير، يحاول بطريقته إيجاد مخرج لهذا المأزق عبر دفع الوضع السياسي إلى الأمام» (6).

إن غياب البروليتاريا كطبقة--ويتجلى ذلك خصوصًا في غياب حزبها--يفتح الطريق أمام شباب البرجوازية الصغيرة القادرين على فرض أساليب فعلهم، بل ومطالبهم أيضًا. ففي معظم البلدان التي تعرف مثل هذه المظاهرات--وكلها تنتمي إلى «أطراف» الرأسمالية العالمية--إنها أساسًا فئات الشباب من البرجوازية الصغيرة والبرجوازية الذين يصلون إلى التعليم الجامعي؛ ويصطدمون بتباينٍ بين طموحاتهم المهنية المرتبطة بمؤهلاتهم وبين محدودية قدرة هذه المجتمعات البرجوازية على تقديم وظائف مطابقة لها. ومن ثم يجد هذا الشباب نفسه أمام خطر «التبرولتة» (التحول إلى بروليتاريا) الذي يسعى إلى تفاديه بأي ثمن؛ ومن هنا إصراره على محاربة المحسوبية والفساد داخل النخب السياسية والاقتصادية التي تسدّ منافذَ الوصول--الضيّقة أصلًا--إلى المناصب ذات المسؤولية في المجتمع البرجوازي. ولذلك لا غرابة في أن نرى بين العناصر التي تبرز من هذه النضالات كقادة أو ناطقين رسميين حضورًا كثيفًا لشبابٍ من أوساط برجوازية. وهذا واضح خصوصًا في مدغشقر حيث ينتمي قادة الحركة الرئيسيون جميعًا إلى البرجوازية المتعلمة، بل ويضمّون في صفوفهم ابنَ وزيرٍ (!) (7).

وبحكم معرفتهم الأفضل بالآليات السياسية وقدرتهم الأعلى على التنظيم واستعمال الشبكات الاجتماعية، يتقدم هؤلاء منطقيًا إلى قيادة متظاهرين يشكلون في غالبيتهم العظمى فئات مهمشة محكومة بأعمال هشة وينتمون فعليًا إلى البروليتاريا. وهكذا ينجحون في ابتلاع المطالب الاجتماعية والاقتصادية للجماهير البروليتارية أو المُفقَرة داخل مطالب ديمقراطية وعابرة للطبقات، فتُدفَع أسباب الغضب الأصلية إلى آخر الصف.

 

مطالب اقتصادية واجتماعية تُحرّك البروليتاريا…

 

في الغالبية الساحقة من الحالات--باستثناء بنغلادش، وبدرجة أقل نيبال--تنبع هذه الحركات من غضب اجتماعي حقيقي. فبسبب الأزمة الاقتصادية، وسوء شروط العيش والعمل، وتقادم الخدمات العمومية، وارتفاع كلفة المعيشة بفعل الهجمات اللااجتماعية للحكومات، يدخل الشباب المهمشون--من البروليتاريا أو من طبقات وسطى تبرولتت--ساحة النضال. ورغم أن الشرارة غالبًا ما تكون قرارًا بعينه شديد الإدانة من السلطة البرجوازية، فإن هذه النضالات ليست في كثير من الأحيان إلا التعبير العفوي والعنيف عن سخط اجتماعي كامن، تراكم عبر السنين، بل عبر عقود في بعض الحالات.

وفوق ذلك، لا يمكن فهم تزامن هذه النضالات عالميًا دون وضعها ضمن مسار الرأسمالية المعاصرة. فمن أجل الخروج من أزمة 2007-2008 التي افتتحت «الركود الكبير»، اضطرت كل الدول البرجوازية إلى تعميق الهجمات على الطبقة العاملة كي تُعيد زيادة الاستغلالُ الإنتاجَ إلى الربحية. وكما أكدنا سابقًا في نصّنا حول المغرب: «إن "العودة إلى الوضع الطبيعي" للأعمال (طبيعي ولا مفر منه حتى الأزمة التالية) قامت على أكتاف العمال الأجراء، وكذلك صغار الفلاحين وغيرهم، سحقَتهم منافسة دولية لا ترحم ودفعتهم إلى وضع مأساوي.» (8) واليوم نرى من جديد إرهاصات أزمة جديدة، أشد عنفًا لأنها تأخرت بسلسلة من علاجات مؤقتة وغير مجدية على المدى الطويل، مع هجمات جديدة تُنذر بها ضد البروليتاريا العالمية. إن الشباب البروليتاري يواجه مستقبلًا لا تلوح فيه إلا هجمات معادية للعمال، وكوارث مناخية--عنيفة خصوصًا في بلد مثل بنغلادش مثلًا (9)--وحرب عالمية ثالثة بات وقوعها أكثر ترجيحًا يومًا بعد يوم.

والمشكلة الكبرى أن هذه المطالب--السخية لكنها المشوشة--يمكن بسهولة، في غياب التنظيمات الطبقية، أن تُخلط بمطالب أخرى صريحة الطابع الديمقراطي، أي البرجوازي.

  

…لكنها تُغرق داخل شعارات عابرة للطبقات وديمقراطية برجوازية

 

لذلك ليس مفاجئًا أن نرى في كل هذه البلدان المظاهرات تتجه نحو شعارات عابرة للطبقات حول مكافحة الفساد، وتغيير الحكومة، أو سياسات «أكثر اجتماعية» لتقوية الخدمات العمومية. ويُفسَّر هذا الغَلَبةُ للمطالب الديمقراطية بتلاقي عاملين يغذي كل منهما الآخر: من جهة، بروليتاريون لا يتعرفون على أنفسهم كطبقة بسبب أكثر من قرن من الثورة المضادة، فيرون أنفسهم «مواطنين»؛ ومن جهة أخرى، الموقعُ الراجح الذي تحتله عناصر البرجوازية الصغيرة المتعلمة داخل هذه الحركات والتي تتخذ دور الناطق باسمها. وعلى الرغم من نواياهم الحسنة، فهم يحملون بالضرورة أحكامًا مسبقة وأوهام طبقتهم الأصلية. محصورون بين البرجوازية والبروليتاريا، يتوهمون أنهم فوق الطبقات. ومن ثم يقتنعون بأنهم يمثلون مصالح الشعب كله ضد أوليغارشية فاسدة ينبغي إسقاطها--بوسائل سلمية أو غير سلمية؛ فدرجة العنف لا تهمّ هنا--كي يعود «اللعب الديمقراطي الحر» إلى الاشتغال.

وقد كتب كارل ماركس صفحاتٍ بليغة عن دور البرجوازية الصغيرة--الضار والدونكيشوتي--في الحركات الشعبية، في كتابه «الثامن عشر من برومير لويس نابليون بونابرت». ورغم أن النص يعود إلى نحو 175 سنة، فهو بالنسبة إلينا--نحن «الدوغمائيين» المزمنين--بالأهمية نفسها كما لو كُتب اليوم. وهكذا، وهو ينتقد «المونتانيين» عام 1848، أولئك «الاشتراكيين» الرومانسيين الذين ادعوا تمثيل مصالح الشعب كله وفشلوا فشلًا ذريعًا ضد الأمير-الرئيس لويس نابليون، كتب ماركس: «لا يوجد حزب يبالغ في تقدير الوسائل المتاحة له أكثر من الحزب الديمقراطي. ولا يوجد حزب يوهم نفسه بشأن الوضع بسهولة أكبر. […] إن الديمقراطي، لأنه يمثل البرجوازية الصغيرة، أي طبقة وسطى تتلاشى داخلها مصالح الطبقتين المتعارضتين، يتخيل أنه فوق تناقضات الطبقات. يعترف الديمقراطيون بأن أمامهم طبقة مميَّزة، لكنهم هم، مع بقية الأمة، يشكلون الشعب. ما يمثلونه هو حق الشعب؛ وما يهمّهم هو مصلحة الشعب. لذلك لا يحتاجون قبل خوض النضال إلى فحص مصالح ومواقع الطبقات المختلفة. ولا يحتاجون إلى وزن وسائلهم الخاصة بدقة. يكفيهم إعطاء الإشارة لينقضّ الشعب بكل موارده التي لا تنضب على مضطهديه. لكن إذا ظهرت مصالحهم في الممارسة بلا أهمية، وكشفت قوتهم عن عجزها، فالذنب يقع إما على سوفسطائيين مجرمين يقسمون الشعب غير القابل للقسمة إلى معسكرات متعادية، أو على الجيش الذي هو مبلّد أو معمى أكثر من اللازم ليرى في أهداف الديمقراطية خيره الخاص، أو على تفصيلٍ في التنفيذ أفسد كل شيء، أو أخيرًا على مصادفة غير متوقعة أفسدت هذه الجولة. وفي كل الأحوال، يخرج الديمقراطي من الهزيمة الأشد خزيًا بالقدر نفسه من الطهر الذي كان عليه حين دخل النضال ببراءته، ومع قناعة جديدة بأنه يجب أن ينتصر لا لأن عليه وحزبه أن يتخلوا عن وجهة نظرهم القديمة، بل لأن الشروط يجب أن تنضج، على العكس.» (10)

  وهكذا يبدو البرجوازي الصغير مخدوعًا أبديًا، يضلّل نفسه بأوهامه، لكنه--وهو الأخطر--يجرّ البروليتاريا معه في سقوطه. ولذلك فإن مطالبه بـ«حكومة صالحة» تعتمد في النهاية لا على قوته هو، بل على إرادة الفاعل الوحيد الذي يملك مفتاح الوضع في هذه البلدان الطرفية ذات الأسس الهشة: الجيش.

  

الدور المركزي للجيش في البلدان الطرفية

 

نلاحظ بالفعل أنه في معظم البلدان التي واجهت «انتفاضات جيل زد»، كان تدخل الجيش هو الذي أنهى حركات النضال. وهذا ما حدث في بنغلادش أو نيبال حيث أخذ الجيش زمام المبادرة، بعدما لاحظ هشاشة قاعدة السلطة القائمة، فاختار بنفسه تركيبة الحكومة الجديدة قبل أن يتراجع رسميًا لصالح سلطة مدنية. لكن في الواقع، خلف واجهة حكومة مدنية من تكنوقراط بلا شرعية حقيقية، يمارس الجيش السلطة الفعلية. وتبدو هذه الدينامية أوضح في مدغشقر حيث أدى دعم جزء من الجيش للحركة وتمرد CAPSAT إلى رحيل راجويلينا وإقامة حكومة انتقال عسكرية.

إن هذا الدور السياسي الجوهري للجيش يميز بلدان الأطراف عن البلدان الإمبريالية الغنية حيث أمكن تقليد «أفيون الديمقراطية» أن يتجذر عبر تجربة قرون. وعلى العكس، ففي البلدان الطرفية--التي نالت معظمها استقلالًا شكليًا بعد الحرب العالمية الثانية--استولى الجيش على السلطة بسرعة شبه فورية لوضع حد لصراعات العشائر البرجوازية وتجسيد «المصلحة العامة»… البرجوازية بالطبع. فهو وحده كان يملك القوة الكافية لتأديب الفصائل البرجوازية المختلفة، وكذلك الجماهير البرجوازية الصغيرة والبروليتارية التي كانت--في بعض الحالات--قد خاضت نضالًا انتفاضيًا لإسقاط السيطرة الاستعمارية. وفي هذه البلدان حيث لا تتجذر التقاليد الديمقراطية، وحيث الانقلابات والانتخابات المزورة بفظاظة كثيرة بما يكفي لنزع الشرعية عن أسطورة الديمقراطية، لا تستطيع ضمان استقرار البلد وحفظ النظام البرجوازي إلا القوة المنظمة، أي الجيش. وكما شرح--مرةً على نحو صائب--فرديناند لاسال في «ما هي الدستور؟»: «الجيش […] منظم، مجمّع في كل لحظة، منضبط تمامًا ومستعد للتدخل في أي لحظة؛ في حين أن القوة الموجودة في الأمة، حتى لو كانت أكبر بما لا يقاس، ليست منظمة، وإرادة الأمة--وخاصة درجة الحزم التي بلغتها--لا يسهل على أعضائها تقديرها دائمًا؛ ولا أحد يعرف بالضبط كم رفيقًا سيجد. ثم إن الأمة تفتقر إلى أدوات القوة المنظمة هذه، إلى تلك الأسس المهمة جدًا للدستور التي ذكرناها: المدافع.» (11)

إن هذا الدرس--البدهي للمفكر الماركسي--لن يفهمه البرجوازي الصغير أبدًا. وهذا ما يحكم عليه بالعجز الأبدي، ومعه البروليتاريا ما دامت لم تجد القوة لتستأنف مسارها التاريخي وتضع لنفسها أهدافًا حقيقية. وقبل بلوغ تحررها، على البروليتاريا أن تسلك طريقًا طويلًا لاستعادة تقاليدها وأشكال تنظيمها، أي--باختصار--حزبها الطبقي الأممي والدولي الذي سيكون، حين يُعاد بناؤه، قادرًا على قيادتها نحو الانتصار النهائي على البرجوازية. إن نضالات «جيل زد» الراهنة هي تعبيرات عن غضب اجتماعي؛ لكنها لا تزال بعيدة جدًا عن نضال ثوري حقيقي. وإذا كانت عرضًا على عودة قادمة لنضال البروليتاريا الطبقي، فإنها لا يمكن أن تسهم فيه فعليًا إلا إذا استطاعت البروليتاريا، مستفيدة من إضعاف النظام البرجوازي، أن تجد فيها القوة للدخول في النضال دفاعًا عن مصالحها المباشرة الخاصة.

سيكون ذلك خطوة مهمة نحو إعادة تنظيمها الطبقي، مقربةً ساعة الثورة الحقيقية التي عرّفها بورديغا--ضد الانتهازية التي كانت ترى في الحركة الطلابية «ذاتًا ثورية» جديدة--بأنها «متعددة القوميات، أحادية الحزب، وأحادية الطبقة، أي--قبل كل شيء--خالصة من أقذر عفنٍ عابر للطبقات: عفن "الشباب" المزعوم "الطلابي"» (12).

  


 

(1) انظر مثلًا ما يسمى «الأممية الشيوعية الثورية» (كذا!) التي كان عنوان صحيفة The Communist البريطانية على صفحتها الأولى: «Join the Gen Z Revolution» («انضموا إلى ثورة جيل زد») وتدّعي: «من بنغلادش إلى بريطانيا العظمى، يدير جيل زد ظهره للرأسمالية ويعتنق الثورة (كذا) والشيوعية (كذا مجددًا)».

https://communist.red/wp-content/uploads/2025/09/Digital-The-Communist-Issue-35.pdf

https://communist.red/generation-revolution-fight-for-your-future-join-the-communists/

(2) «Asia's Gen Z rises up against entrenched political elites»، Le Monde، 29 سبتمبر 2025.

(3) رابطة عوامي هي التنظيم الذي قاد تاريخيًا نضال استقلال بنغلادش عن باكستان التي كانت تقودها «الرابطة الإسلامية». وقد بقيت في الحكم بصورة شبه متواصلة بين 2009 و2024 تحت قيادة شيخة حسينة، ابنة مؤسس بنغلادش الشيخ مجيب الرحمن، ويتميّز الحزب بدرجة عالية من الفساد وبقمع شرس لأي معارضة.

(4) CAPSAT هو «فيلق نخبة» في الجيش، وكان قد أوصل راجويلينا إلى السلطة سنة 2009. راجع: «Explosion sociale à Madagascar»، Le Prolétaire رقم 558.

(5) راجع: «Révoltes au Maroc. Le mécontentement populaire se heurte à la répression du régime de Mohammed VI»، Le Prolétaire رقم 558.

(6) ليون تروتسكي، «مهام الشيوعيين في إسبانيا. رسالة إلى Contra la Corriente»، 25 مايو 1930، متاح على marxists.org:

https://www.marxists.org/francais/trotsky/oeuvres/1930/05/300525b.htm

والمقاطع المُسطّرة هي من عندنا.

(7) «A Madagascar, la Gen Z refuse de se voir confisquer sa victoire»، Le Monde، 16 أكتوبر 2025.

(8) «Révoltes au Maroc»، المقال المذكور.

(9) في 2022 واجهت بنغلادش سلسلة فيضانات أثرت في حياة ملايين الأشخاص، وتسببت في عشرات الجرحى ومئات الآلاف من النازحين.

(10) كارل ماركس، «الثامن عشر من برومير لويس-نابليون بونابرت»، 1851، متاح على marxists.org:

https://www.marxists.org/francais/marx/works/1851/12/brum.htm

والتسطير من ماركس.

(11) فرديناند لاسال، «ما هي الدستور؟»، 1862، متاح على marxists.org:

https://www.marxists.org/francais/general/lassalle/constitution.htm

والمسطّر وارد في النص. كان لاسال عضوًا سابقًا في «عصبة الشيوعيين»، وكان رائد تنظيم البروليتاريا في ألمانيا في ستينيات القرن التاسع عشر؛ لكنه جسّد أيضًا سلسلة من الانحرافات التي اضطر الماركسيون إلى خوض صراع طويل وصعب ضدها.

(12) أماديو بورديغا، رسالة إلى أومبيرتو تيراتشيني، 4 مارس 1969، متاح على marxists.org:

https://www.marxists.org/francais/bordiga/works/1969/03/Terracini.htm

 

28 أكتوبر 2025 (تحديث: 2 ديسمبر 2025)

 

 

الحزب الشيوعي الأممي

Il comunista - le prolétaire - el proletario - proletarian - programme communiste - el programa comunista - Communist Program

www.pcint.org

 

Top  -  Retour prises de positions  -  Retour archives